فاتورة الحكم الذاتي ليست قليلة

  • بتاريخ : نوفمبر 4, 2025 - 11:53 ص
  • الزيارات : 156
  • الكاتب الصحفي توفيق بوعشرين : 

    ترسم هذه المقالة ملامح مرحلة دقيقة في تاريخ الصحراء المغربية، حيث تنتقل المملكة من منطق الدفاع الترابي إلى منطق البناء السياسي الفيدرالي.

    إنه تحليل يرصد التحوّل من المركزية إلى الحكم الذاتي، ومن الصراع الطويل إلى البحث عن تسوية تاريخية، مع استحضار السياقات السياسية والدبلوماسية والحقوقية التي تجعل من المبادرة المغربية اليوم نقطة ارتكاز أممية ومسؤولية داخلية في آنٍ واحد.

    فالمرحلة المقبلة ستكون حاسمة وصعبة في آنٍ واحد،
    إذ أصبحت المبادرة المغربية لإعطاء حكم ذاتي حقيقي للصحراويين وحدويين وانفصاليين المرجع الوحيد المعتمد في المسار الأممي،
    هذا يضع الكرة في ملعب الجميع لكن سيضع هذه الكرة اكثر في الملعب المغربي.

    فالحكم الذاتي هو مخرجٌ سياسي وديبلوماسي لاستعادة فصيلٍ مسلحٍ كان ينوي تقسيم المغرب وجرب السلاح والتحالفات الإقليمية والمناورات الدولية والدعاية الإعلامية والمعارك القانونية والديبلوماسية على مدار نصف قرن ،

    لكن الحكم الذاتي كآلية لإنهاء النزاع بطريقة( لا غالب ولا مغلوب) هي أيضًا استحقاقٌ والتزامٌ ونهجٌ جديد في إدارة مملكةٍ
    سيخرج المغرب من إطار نظامٍ مركزيٍّ بسيط، إلى نظامٍ لا مركزيٍّ فيدراليٍّ مركّب وهذا جديد علينا وهذا يشكل فرصة وتحدي ايضا .

    قضية الصحراء كانت دائمًا فرصةً للانفتاح الديمقراطي الداخلي وتصفية الأجواء الحقوقية وإعادة بعض الأكسيجين للوضع السياسي بالمغرب ،
    وهذا ما جرى في السبعينيات عندما تحركت المسيرة الخضراء في اتجاه الأقاليم الصحراوية لاسترجاع الارض والسيادة والقرار، بعد مفاوضات متقطعة لاسترجاع الاستقلال في الخمسينات من القرن الماضي ،

    إذ كان أحد أهداف المسيرة الخضراء ومهندسها رحمه الله تجاوز حالة “البلوكاج” التي سادت في علاقة القصر بأحزاب الحركة الوطنية والقفز على تداعيات انقلابين عسكريين فاشلين زرعا اللايقين في نفوس الرأي العام الداخلي والخارجي ،

    فجرى المناداة في أعقاب الاستعداد لارسال 350 ألف مواطنة ومواطن إلى الصحراء على الإجماع الوطني والمسلسل الديمقراطي حول الصحراء كعنوانٍ نحو انفراجٍ سياسيٍّ جديد واستعادة للحمة الوطنية تحت راية استكمال مسلسل التحرير .

    أما اليوم، فعلى الرغم من كل المكاسب التي تحققت ومن اختلاف الوضع الراهن عن ذاك الذي ساد في السبعينيات ،
    فإن الوضع القائم معقّد، لأننا سنكون في الأشهر القادمة إزاء إدارةٍ مزدوجة للملف:

    -دبلوماسية في الخارج،
    -وسياسية في الداخل،
    -ودستورية وقانونية تتعلق بكيفية إدارة بلدٍ بشكلٍ مختلف.

    وهذا يتطلب بحسب ما ارى مجهودًا كبيرًا من قبل الدولة ، وانفتاحًا إعلاميًا حقيقيا ، وانفراجًا حقوقيًا، وعفوا شاملا عن المعتقلين السياسيين، وحكامة أمنية وقضائية في مستوى ما نحن مقبلين عليه من استحقاق ، وهو ليس قليل ومناطه هو طمأنة الطرف الآخر إلى ان الحكم الذاتي سيحترم بالنقطة والفاصلة شكلا وجوهرا …

    وان اختياره من قبل البوليساريو بضمانات أكيدة وارادة سياسة قوية افضل من الارتماء والمغامرة نحو خيار دولة جديدة ضعيفة ومفككة ،ولا تملك إمكانية توفير ما يضمنه الحكم الذاتي للصحراوي والصحراوية ففي نهاية المطاف امن واستقرار وكرامة المواطن هي اعز ما يطلب من أي كيان سياسي او مؤسساتي ….الانسان اولا والإنسان اخيرا

    الحكم الذاتي كمشروع يحتاج إلى أوكسجين سياسي لتهيئة الجو لاستقبال المولود الجديد ( مثل عائلة تستعد لاستقبال مولود جديد تاخر عن موعده بنصف قرن ) ،
    الحكم الذاتي يُعتبر حلاً تاريخيًا لنزاعٍ دام خمسين سنة وهذا يتطلب عقيقة وشروط ولادة وامكانات عيش استثنائية .

    عندما تختار دولةٌ الطابع الفيدرالي وتمنح حكمًا ذاتيًا حقيقيًا
    بضماناتٍ دوليةٍ وأمميةٍ لجزءٍ من الشعب ولجزء من الإقليم ،

    فهذا يعني أن مستوى تطورها السياسي والمؤسساتي والديمقراطي متقدمٌ جدًا.

    إن الحكم الذاتي والجهوية الموسعة هما أرقى مستوى في السلم الديمقراطي المعاصر ،
    ونحن اليوم — وبكل صراحة — لسنا بعد في هذا المستوى من التطور الديمقراطي والحقوقي والمؤسساتي .

    لهذا، وجب من الآن إطلاق حوار وطني عميق وجدي
    يشمل كل الأطراف للتفكير في مملكةٍ فيدرالية،
    مملكةِ الحكم الذاتي لجزءٍ من الإقليم ولجزءٍ من الشعب،

    وهذا لعمري تطورٌ سياسي كبير ومنعطف تاريخي مصيري ليس سهلًا،
    ولن ينجح إلا بدفع فاتورةٍ لهذا التحول التاريخي الذي ربما ينقل المغرب من حالة التردد حيال الاختيار الديمقراطي، إلى حالة الحسم النهائي للدخول إلى نادي الدول الديمقراطية وما ذلك بعزيز على بلاد ومواطنين ضحيا بالغالي والنفيس لاسترجاع ثلث ارضهم بعد ان كانت قاب قوسين او ادنى من ان تضيع…