بتاريخ : نوفمبر 9, 2025 - 6:16 م
الزيارات : 244
حسن غريب أحمد
ناقد روائي شاعر:
توطئة :
نحيب الأرجوان كعتبة نصية دالة
يمثل ديوان “نحيب الأرجوان” للكاتبة حفيظة الفائز إضافة نوعية لمشهد الشعرية النسوية المغربية المعاصرة. يتأسس العمل على مبدأ البوح الصريح والتداعي الوجداني، كما أوضحت الشاعرة في مقدمتها، معتبرة الكتابة “متنفساً لتفريغ شحنات آلام الروح ومعاناتها”.
يُعدّ عنوان الديوان عتبة نصية مكثفة ترمز لـ جدلية الوجع والجمال(1). فـ “النحيب” (Nawh) يُحيل إلى أقصى درجات الألم، بينما يشير “الأرجوان” (Arguwan) إلى الفخامة والنبل. هذا التزاوج يُنتج رمزاً لـ الذات الشامخة/الجميلة التي تتألم، رافضة أن تُكسر دون مقاومة، وهو ما سيتم تتبعه في تحليلنا الفني والموضوعي.
. الأنا الشاعرة:
ثنائية الألم والتمرد الوجودي (الايجابية الكبرى)
تتمحور القيمة الجوهرية للديوان حول الصدق الوجداني الكاسر والتمرد الوجودي الذي تتبناه الذات الشاعرة:
1. الأنوثة بين المآل والاعتراف:
تُقدم الشاعرة صورة مركبة للمرأة. في قصيدة “أيتها السيدة”، تتجسد المرأة كـ “المسكينة الذابلة” و”الموءودة”، لكنها في الوقت نفسه “السيدة العالية” التي “عند خصرك اختلف العشاق”؛ وهي كيان متناقض يحمل “هم بزوغ الفجر” ويشهد على تخاذل التاريخ في حقه.
2. الانسحاب نحو الحرية والجنون:
في مواجهة الخذلان العاطفي والاجتماعي (المتمثل في “خيانة العهد” و”أسوأ الانتظارات”)، تلجأ الذات إلى استراتيجية التمرد (Rebellion) والتفرد.
”حرة أنا / كالطير وعت مكامن الصيد فما عاد سهمك المسموم يرميني”^(2).
هذا التمرد يصل إلى حد الاعتزاز بالجنون كقيمة وجودية تسمح لها بـ “رسم خريطة العالم على هواي”، في محاولة لخلق “العالم البديل” الذي هو حصنها المنيع.
. الرؤية الفنية والتشكيل الأسلوبي: الموازنة بين القوة والضعف
تعتمد الشاعرة على قصيدة النثر في أغلب نصوصها، ويُسفر هذا الاختيار عن نتائج متباينة:
1. الايجابيات: قوة الإيقاع والتصوير:
الإيقاع الداخلي الإلحاحي: يتم تعويض غياب الوزن العروضي بآلية التكرار الإيقاعي (Repetition) واللفظي، مما يُرسخ المعنى ويُعلي من نبرة الإدانة. يظهر هذا في تكرار “لماذا” في “كسر كبريائي”، أو تكرار “عندما تحبني” الذي يبني النص بناءً تصاعديًا.
التشخيص والترميز: استخدام الرمز ببراعة لـ تجسيد المشاعر وتكثيف الدلالة. فـ “نحيب الأرجوان” يصبح رمزًا للجمال الذي يتفجع، و”الأقلام المكسورة” رمزًا لتعطيل الإبداع.
2. السلبيات: تحدي المباشرة والإسهاب (نقاط ضعف فنية):
انزياح نحو التقريرية: في بعض النصوص، لا سيما المرتبطة بالوظائف الاجتماعية (المديح والشكر)، ينحرف الأسلوب نحو الخطابية المباشرة والتعبير التقريري، مما يُقلص من المسافة الجمالية للنص الشعري^(3).
إشكالية الإسهاب السردي: تعاني قصائد طويلة مثل “خيانة العهد” و”كسر كبريائي” من الإطالة غير المبررة، حيث تتوالى التفاصيل السردية على حساب التكثيف الشعري، ويتحول النص إلى ما يشبه المونولوج الدرامي الممتد، وهو ما يُضعف من زخم الصدمة الأولية.
الاعتماد المُفرط على أدوات الإلحاح: يلاحظ الناقد كثرة الاستخدام الجدلي لأدوات الاستفهام والنداء (“أتعتقد؟”، “قل لي باالله عليك؟”)، مما يمنح بعض المقاطع نبرة مُحاكمة عاطفية بدلًا من التلقي الجمالي الهادئ.
. الهم الكلي: انشطار الذات بين الوطن والوحل
تنجح الشاعرة في ربط وجعها الذاتي بـ وجع الجسد الجمعي، مما يُعلي من قيمة النص ويمنحه بُعدًا قوميًا:
1. التفجع الوطني: بكاء الأرجوان على القدس والوطن:
تتصاعد النبرة الشعرية إلى مستوى الهتاف القومي في تناول قضايا فلسطين والقدس. وفي قصيدة “ويبكي وطني”، تُشخص الشاعرة الوطن كـ “صدر أم محب رحب” يبكي على أبنائه المهاجرين أو الضحايا، وهي صورة تدمج بين الحنين والألم^(4).
2. النقد الاجتماعي والتمترس في الوحل:
تُقدم قصيدة “عالقون في الوحل” خلاصة الرؤية التشاؤمية للواقع، حيث يتجسد العالم كـ “وحل” يعمه الزيف والنفاق. وتؤكد على أن: “البغي والحيف والجور عقيدة للبشر”، وهي قناعة حادة نابعة من تجارب الخذلان المتراكمة.
تتمة:
دعوة للحفاظ على الصدق الفني
يُعد ديوان “نحيب الأرجوان” عملاً شجاعاً وصادقاً ينجح في التعبير عن تمرد الروح على الخضوع، ويُقدم الشاعرة حفيظة الفائز كصوت مفعم بالحس الإنساني والوطني.
تكمن قوته في الزخم العاطفي والصور الرمزية القوية، في حين تكمن تحدياته في ضرورة ترشيد المباشرة والعمل على اقتصاد لغوي يُكثف التجربة ويُصفيها من الإسهاب، لترتفع القصائد النثرية باستمرار إلى مستوى الدهشة والإيحاء. إن استمرار الشاعرة في تنمية تقنية التكثيف سيُمكنها من تجاوز هذا التحدي، لتؤكد أن نحيب الأرجوان ليس مجرد بكاء، بل هو فعل مقاومة جمالي.
الحواشي والمراجع
الحواشي (Footnotes):
1-نستعير مفهوم العتبات النصية من: سعيد يقطين . تحليل الخطاب الروائي.
2-حفيظة الفائز. نحيب الأرجوان. قصيدة: “حرة أنا”.
يُشار هنا إلى التحدي الذي يواجه قصيدة النثر في الحفاظ على الشعرية وتجنب التقريرية، انظر: أحمد شبل . جماليات قصيدة النثر العربية.
حفيظة الفائز. نحيب الأرجوان. قصيدة: “ويبكي وطني”.
قائمة المراجع المعتمدة (Bibliography):
1-حفيظة الفائز . نحيب الأرجوان (ديوان شعري). 2021.
2-حسن محمد الزبيدي . حساسية الشعر العربي الحديث: دراسات في شعر ما بعد الرواد.
3-أحمد شبل . جماليات قصيدة النثر العربية.
4- محمد محمود الصمادي . الشعر النسوي العربي المعاصر بين التمرد والالتزام.
5-سعيد يقطين. تحليل الخطاب الروائي. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء .
إرسال تعليق