زوهران ممداني.. حين يكتب التاريخ اسمه بحروفٍ جديدة في سماء نيويورك

  • بتاريخ : نوفمبر 5, 2025 - 12:16 م
  • الزيارات : 246
  • بقلم: مريم مستور:

    لم تكن انتخابات البلديات الأميركية لعام 2025 حدثًا عابرًا بالسياسة المحلية، بل لحظة فارقة أعادت رسم حدود الممكن في الوعي الأميركي. ففي مدينةٍ وُصفت طويلاً بأنها “مرآة العالم”، أصبح الشاب زوهران ممداني — ابن المهاجرَين، ابن المخرجة والأستاذ الماركسي — أول مسلمٍ يتولى رئاسة بلدية نيويورك، فاتحًا صفحة جديدة في تاريخ المدينة التي طالما احتضنت الجميع، لكنها نادرًا ما سلّمت مفاتيحها لمن هو مختلف.

    جاء فوز ممداني تتويجًا لموجةٍ تقدميةٍ متنامية داخل الحزب الديمقراطي، تبحث عن لغةٍ جديدة للعدالة والمواطنة، بعد سنوات من الانقسام الحاد الذي عمّ البلاد في عهد ترامب. لكن انتصاره لم يكن سياسيًا فحسب، بل رمزيًّا أيضًا؛ إذ مثّل تحوّلًا ثقافيًا في وعي الأميركيين تجاه فكرة الانتماء والهوية والدين في المجال العام.

    ولم يتأخر الجدل طويلاً؛ فتصريحات وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، التي وصف فيها ممداني بأنه “تابع لحماس”، كشفت عمق التوترات التي يثيرها صعود أصواتٍ عربية ومسلمة إلى مواقع القرار في الغرب. غير أن ممداني، الذي تعوّد مواجهة العواصف، ردّ بهدوء قائلاً إن إدارته ستقف إلى جانب الجميع، وستحارب معاداة السامية كما تواجه الإسلاموفوبيا، لأن “العدالة لا تُجزّأ”.

    هذا المشهد، بكل تناقضاته، يعكس وجهاً جديداً لأميركا: دولة ما زالت قادرة على إعادة تعريف ذاتها، حتى في لحظات الانقسام.
    ولعل العبارة التي نشرتها إحدى الصحف المحلية تختصر كل المعنى:

    “أحيانًا يكون التاريخ عنيدًا كالمراهق… لا يظهر إلا حين يشاء.
    هذا الثلاثاء، في نيويورك، كان للتاريخ وجه عمره 34 عامًا، بابتسامة سهلة، وأمٍّ مخرجة، وأبٍ ماركسي.”

    من قلب الضجيج والاختلاف، كتب زوهران ممداني سطرًا جديدًا في كتاب المدينة التي لا تنام — سطرًا قد لا يبدّل وجه السياسة الأميركية بين ليلة وضحاها، لكنه بالتأكيد يوقظ فيها ضميرها المتنوع من جديد.