مستشفى الحسن الثاني بأكادير ليس حالة معزولة: نظرة تحليلية على واقع المستشفيات العمومية في المغرب في ظل حكومة الرأسمالية

  • بتاريخ : سبتمبر 17, 2025 - 7:55 م
  • الزيارات : 296
  • بقلم: مريم مستور :

    تشير شهادات أطباء ونشطاء – مثل الفيديو الذي نشره الطبيب أحمد من مستشفى الحسن الثاني بأكادير – إلى اختلالات خطيرة في تجهيز المستشفيات، ونقص حاد في المعدات، وضعف ثقة المواطنين في القطاع الصحي، إضافةً إلى التأخر الكبير في الاستجابة للطلبات المهنية والطبية.

    هذه الشهادات تتقاطع مع نتائج استطلاعات وتقارير رسمية ومدنية، تفضح الفجوة الكبيرة بين الخطاب الرسمي حول التحديث والإصلاح، وبين الإمكانيات الفعلية في الميدان الصحي.

    ورغم أن الحكومة الحالية ترفع شعارات التحديث، وتعلن عن مبادرات تشريعية تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتطوير العنصر البشري والتكوين الصحي، مثل إحداث آلاف المناصب المالية وتوسيع القدرة الاستيعابية لمعاهد التمريض والمهن الصحية، فإن الواقع على الأرض يظل مغايرًا في كثير من المناطق.
    فالعديد من المرافق تواجه تأخرًا في التفعيل، ونقصًا في الصيانة، وضعفًا في التدبير، وعجزًا في توزيع المعدات والكوادر بشكل عادل.

    الإحصائيات الحديثة التي تعكس الواقع:

    المؤشر الوضع الحالي

    تغطية التأمين الصحي حوالي 71٪ من المغاربة لديهم تغطية طبية، مع تفاوت كبير حسب الدخل: الفئات الفقيرة حوالي 60٪، مقابل 81٪ للفئات الميسورة.
    رضا المستفيدين من بين ذوي التغطية، 86٪ يعبرون عن رضاهم (57٪ “راضون إلى حد ما” + 29٪ “راضون جدًا”).
    مشاكل المستشفيات العمومية من زار مستشفى حكومي خلال السنة الماضية:
    – أكثر من 95٪ اشتكوا من طول فترات الانتظار

    85٪ من نقص الأطر الطبية
    ـ 81٪ من نقص الأدوية أو المعدات
    ـ 79٪ من سوء البُنى التحتية

    عدد الأطباء فقد النظام الصحي أكثر من 1,400 طبيب خلال العامين الأخيرين. انخفض العدد من حوالي 14,520 إلى 13,762 طبيبًا.
    عدد الأسرة تراجع بحوالي 100 سرير ليصل المجموع إلى حوالي 27,401 سريرًا.
    الكثافة الطبية طبيب واحد لكل 1,255 نسمة (عام وخاص)، لكن في القطاع العام فقط: طبيب لكل 2,588 نسمة تقريبًا.
    إنتاج المستشفيات العامة .
    القبولات: 1,211,765
    أيّام الاستشفاء: 4,263,968
    – العمليات الجراحية: 314,944
    – معدل إشغال الأسرة: 56.6٪
    – متوسط مدة الإقامة: 3.5 أيام

    الأزمات البنيوية في القطاع الصحي:

    1. نقص الموارد البشرية

    هجرة الأطباء نحو الخارج أو القطاع الخاص تزيد من حدة الأزمة.

    بطالة بعض الأطر شبه الطبية رغم الحاجة الماسة إليها في الميدان.

    2. نقص المعدات الطبية والأدوية

    تأخر في توفير الأجهزة الحيوية ونقص حاد في الأدوية.

    صيانة المعدات ضعيفة أو متأخرة، وغالبًا ما يأتي التدخل فقط بعد ضغط احتجاجي.

    3. البُنى التحتية والصيانة

    العديد من المستشفيات تعاني من بنى تحتية مهترئة، تشمل قاعات الانتظار، والنظافة، والمرافق الأساسية مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي.

    تفاوت كبير بين المدن الكبرى والمناطق القروية التي تفتقر إلى المستشفيات المتخصصة.

    4. ضعف ثقة المواطنين في المستشفيات العمومية

    يخشى المواطنون من الأخطاء الطبية أو الإهمال أو نقص الخدمات.

    من يملك تغطية مالية يفضّل القطاع الخاص رغم كلفته العالية، أو حتى العلاج في الخارج، ما يعكس التفاوت الطبقي الحاد.

    5. محدودية ميزانية الإنفاق الصحي

    رغم الاستثمارات في بناء وتجديد المستشفيات، فإن التمويل يظل غير كافٍ لتغطية الصيانة والتجهيزات والمستلزمات الطبية.

    الإنفاق الحكومي على الصحة لا يوازي حجم الحاجة وعدد السكان المتزايد.

    الإصلاحات والمبادرات الحكومية:

    برنامج إعادة التأهيل: يهدف إلى تجديد 83 مستشفى عامًا بطاقة إجمالية تقارب 8,700 سرير.

    بناء مستشفيات جامعية جديدة في مدن مثل: أكادير، العيون، الرشيدية، كلميم، بني ملال.

    توسيع التكوين الطبي والتمريضي: عبر رفع عدد المقاعد في كليات الطب ومعاهد التمريض، وإنشاء كليات جديدة.

    الهدف البشري: الوصول إلى أكثر من 90,000 مهني صحي وتحسين نسبة العاملين الصحيين لكل 10,000 نسمة.

    ورغم هذه المبادرات، فإن التنفيذ غالبًا ما يتأخر أو يتم بشكل جزئي، ما يترك الفجوة قائمة بين الطموح والواقع.

    التحديات الإدارية والهيكلية:

    بطء وتعقيد الإجراءات الإدارية المرتبطة بالتعاقد والصيانة.

    نقص الشفافية في التوريدات والصفقات.

    سوء التوزيع الجغرافي للموارد والخدمات، حيث تعاني المناطق الريفية أكثر من غيرها.

    فقدان ثقة المواطنين نتيجة تجارب سلبية متكررة، مثلما حدث في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، الذي أصبح رمزًا لمعاناة المستشفيات العمومية.

    اقتراحات وحلول:

    1. تسريع توفير المعدات الطبية وفقًا لحاجيات الميدان، مع مراقبة حقيقية.

    2. تعزيز العنصر البشري، عبر تحفيز الأطباء على العمل في المناطق النائية وتحسين شروط العمل.

    3. وضع خطط صيانة دورية للأجهزة والبنى التحتية.

    4. إصلاح الإدارة الصحية بتكريس الشفافية والمساءلة في التسيير.

    5. تقوية آليات الرقابة المستقلة ومتابعة الشكاوى من المرضى والأطباء.

    6. ضمان عدالة جغرافية في توزيع الموارد والخدمات الصحية.

    المستشفى الجامعي الحسن الثاني بأكادير ليس حالة معزولة، بل يمثل جزءًا من أزمة أوسع تضرب المستشفيات العمومية في المغرب.
    الإصلاحات جارية، لكنها لن تحقق التغيير المنشود دون إرادة سياسية حقيقية، وشفافية، ورقابة فعالة، حتى لا تبقى الشعارات مجرد وعود على الورق.