المغرب بين فشل الدولة وجشع الساسة: قمع الشعب وإفقاره جريمة لن تُمحى

  • بتاريخ : سبتمبر 29, 2025 - 2:49 م
  • الزيارات : 213
  • بقلم: مريم مستور:

    بينما ينهار قطاع الصحة ومنظومة التعليم في المغرب بشكل غير مسبوق، خرج آلاف المواطنين في وقفات سلمية يطالبون فقط بما وعدهم به الدستور: حقهم في الصحة، وحقهم في تعليم يضمن لأبنائهم مستقبلًا أفضل. مطالب مشروعة، سلمية، لا تحمل أي تهديد لاستقرار البلاد، ولا تدعو إلا للإصلاح والعدالة.
    لكن بدل أن تختار الدولة لغة الحوار والاستماع، فتحت أبواب الجحيم، واختارت القمع، والاعتقالات العشوائية، والضرب المبرح، وتشويه صورة المغرب أمام العالم، وكأن المواطن عدو يجب سحقه لا مواطنًا من حقه أن يرفع صوته.

    في المستشفيات العمومية اليوم، يموت المواطن ببطء، لا لشيء إلا لأنه فقير. أقسام طبية بلا تجهيزات، أطباء وممرضون منهكون، مواعيد طبية تتجاوز الأشهر، بينما من يملك المال يجد العلاج بسهولة في المصحات الخاصة.
    إنه تمييز طبقي صارخ لا يليق بدولة تدعي الإصلاح.
    كم من مستشفى تم تدشينه بحضور مسؤولين وكاميرات، ثم تحوّل بعد أسابيع إلى بناية مهجورة بلا معدات ولا أطر؟ إنها سياسة الواجهة والتلميع، التي تغطي فشلًا عميقًا وفسادًا ممنهجًا.

    أما التعليم، فقد تحوّل إلى كارثة وطنية.
    جيل كامل اليوم يخرج من المدارس بلا أمل، بلا تكوين حقيقي، وبلا فرص للعمل.
    منظومة التعليم التي كان من المفترض أن تكون رافعة للتنمية أصبحت أداة لتكريس الفقر والجهل، وفتح الطريق أمام المزيد من الفوارق الاجتماعية.
    إنها سياسة تدمير بطيء، هدفها صناعة مواطن خاضع، عاجز عن التفكير أو المطالبة بحقوقه.

    بدل أن تعترف الدولة بفشل سياساتها، اختارت نهج العصا الغليظة.
    مشاهد قمع الشباب، واعتقالهم فقط لأنهم تجرؤوا على المطالبة بحقهم في الصحة والتعليم، هي فضيحة أخلاقية وسياسية.
    إنها تعيدنا إلى زمن كنا نظن أنه انتهى، زمن تُكمم فيه الأفواه وتُكسر فيه العظام، بينما يخرج المسؤولون ليتحدثوا عن “استقرار” و”تجربة رائدة” في الأمن والحكامة.
    فأي استقرار هذا إذا كان قائماً على الخوف؟ وأي تجربة رائدة تلك التي تصدر القمع بدلاً من تصدير الكفاءات؟

    وفي قمة الوقاحة، خرج بعض السياسيين وعلى رأسهم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ليزعم أن هذه الوقفات يقودها حزبه أو حركة العدل والإحسان.
    هؤلاء الذين ساهموا لعقود في إفقار الشعب ونهب مقدراته، يحاولون اليوم سرقة نضال المواطنين وركوب الموجة لمصالحهم الحزبية والشخصية، غير مكترثين بمصير الوطن.
    إنهم يتصرفون كما لو أن المغاربة مجرد عبيد في معبد سياسي فاسد، حيث يجلس الساسة في القمة، يتبادلون الكراسي والامتيازات، بينما يتركون الشعب يتخبط في الفقر والمرض والجهل.

    إن الإصرار على القمع، وتجاهل المطالب الشعبية، سيقود المغرب نحو مرحلة خطيرة من الاحتقان الاجتماعي.
    حين تُكسر ثقة الشعب في الدولة، لن يبقى أمامه سوى الشارع، ولن يستطيع أحد بعد ذلك السيطرة على الانفجار.
    الحلول واضحة: حوار حقيقي، محاسبة الفاسدين، وإصلاح جذري لقطاعي الصحة والتعليم. لكن يبدو أن من يحكمون اليوم لا يرون أبعد من مصالحهم الضيقة.

    إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن السنوات القادمة ستكون سنوات ظلام، يأكل فيها الفساد الأخضر واليابس، ويغرق فيها الوطن في فوضى كان يمكن تفاديها لو كان هناك قليل من العقلاء في دوائر القرار.